وكالة أنباء الحوزة - ينشر موقع KHAMENEI.IR الإعلامي نصّ المقابلة التي أجراها مع خبير الشؤون العسكريّة علي جزّيني حول أبعاد المهمّة العظيمة التي أنجزتها المجموعة البحريّة 86 التابعة لجيش الجمهوريّة الإسلاميّة في إيران إذ دارت حول العالم في ثمانية أشهر على نحو متواصل، والرسائل التي بعثت بها هذه المهمّة إلى العالم والاستكبار وحجم تأثيرها على إنهاء سيطرة الولايات المتحدة الأمريكيّة على المعابر المائية والمياه الحرّة حول العالم.
*رست المجموعة البحريّة 86 على مدى 8 أشهر من مهمّتها البحريّة حول الكرة الأرضيّة في عدّة مرافئ عالميّة، منها مرفأ «ريو دي جانيرو» في البرازيل التي تُعدّ الباحة الخلفيّة لأمريكا. إلى أيّ حدّ استطاع هذا الإنجاز إبراز مدى تمتّع الجمهوريّة الإسلاميّة بالاستقلاليّة والتقدّم أيضاً في المجالين العسكري والدفاعي؟
قامت المجموعة البحرية الإيرانية 86 بإنجاز عظيم لأنها قطعت 63 ألف كيلومتراً على مر 8 أشهر في دورة حول الكرة الأرضية وهو إنجاز لا تقدر عليه إلا الدول القوية والمقتدرة، يعني مهمة بهذا الحجم والخروج إلى أعلى البحار والقدرة على التزود بالتموين طوال هذه الرحلة كما القدرة مثلا على إدارة الرحلة والقدرة على صيانة المعدات وعلى الملاحة باستخدام خطة عسكرية أمرٌ يختلف كثيراً عن الملاحة المدنية وهو بحد ذاته إنجاز ويظهر الخبرة والتطور في القدرات البحرية [الإيرانية] ليس فقط في منطقة الخليج [الفارسي] ولکن في أعلى البحار والمحيطات، وهذه القدرات لم نكن نعرفها سابقا في بحرية الجمهورية الإسلامية، ولقد تمكنت الآن في هذه الفترة إظهارها.
*بعثت المجموعة البحريّة 86 بإبحارها في المياه الحرّة هذه الرسالة إلى القوى العظمى بأنّ الجمهوريّة الإسلاميّة لا تطيق فرضها الحدود والقيود على المياه الحرّة. غضب الأمريكيّون من هذا التصرّف بشدّة، وفرضوا العقوبات عليها بعد عبور المجموعة البحريّة 86 من مضيق ماجلان ودخولها المحيط الأطلسي. على الرغم من هذا الأمر، أثبتت إيران عدم رضوخها للقيود المفروضة على المياه الحرّة. ما هو رأيكم في هذا الصّدد؟
المسئلة بالنسبة للسؤال الثاني تكمن في تغير عقلية الولايات المتحدة إذ أن صعودها كقوة عالمية في بداية القرن العشرين تمثل في أنها كانت من القوى التي تدعو لحرية الملاحة والتجارة حول الكوكب. وفي فترة معيّنة كانت تستفيد منها بينما في الفترة اللاحقة - مثلا في الزمن الذي نعيشه الآن - نراها تقوم بالتضييق على حرية الملاحة وتحدّ من حرية التجارة أيضا في ما يرتبط بخصومها كالجمهورية الإسلامية في إيران.
إذن قامت الولايات المتحدة الأمريكية بفرض العقوبات على كل القطع العسكرية في إيران مثل القطعتين البحريتين: المدمرة "دنا" وسفينة تموين "مكران" في مسعى منها لأن تقصّر من عمر الرحلة وكانت تتصور بأنّه إذا لم تجد هذه السفن أماكن لترسو فيها أو تقوم بالصيانة يمكن أن تجبر السفن إلى العودة إلى المرفأ دون إتمام الرحلة، وهذا ما سيفشل صوريا هذا المسعى وسيظهر الجمهورية الإسلامية في إيران بأنها عاجزة عن القيام بذلك. ولكن حدث العكس تماما، إذ أنه بعد إستكمال الرحلة أثبتت الجمهورية الإسلامية في إيران ليس فقط قدرتها من الناحية اللوجستية والتقنية والإدارية والعسكرية أثناء هذه الرحلة، بل أظهرت أنها تتمتع أيضا بشبكة علاقات مكنتها أيضا من أن تؤسس بعداً آخر في حرية التجارة بعيداً عن التضييقات التي تقوم بها الولايات المتحدة أو الغرب بشكل عام على حرية الملاحة والنقل، إذ أنها يمكنها التنقل براحة ضمن شبكة هذه العلاقات التي تتوزع على الكوكب في مختلف المناطق، مثلا في أمريكا الجنوبية بشكل خاص.
*هل يُمكن اعتبار الخطوة التي أقدمت عليها المجموعة البحريّة 86 التابعة للقوات البحريّة في جيش الجمهوريّة الإسلاميّة بقطعها عرض المحيط الهادئ وأطوال مسار محيطي في العالم وأيضاً التواجد في المياه العالميّة الحرّة دون أيّ حدود تثبيتاً لقوّة إيران واقتدارها على المستوى البحري؟
تطوّر الجمهورية الإسلاميّة الإيرانيّة في هذا المجال، في البحار العالية وفي المياه الحرّة، هو تطوّر ليس بقديم بل هو تطوّر جديد. يمكن أن نتوقّع أيضاً في حالة التطوّر الطردي الذي حصل أن تتقدّم الجمهوريّة الإسلاميّة في إيران بشكل أكبر في السنوات المقبلة في موضوع الصناعات البحرية أو في التطوير الأسطولي، خصوصاً وأن هناك العديد من النماذج التي قامت الجمهورية الإسلامية بإدخالها في السنوات الماضية والتي تتمتع بصواريخ مجنحة صواريخ كروز موجهة بالرادارات، وهي حديثة جداً وتوازي ما تملكه البحريات الغربية. بناء على ذلك يمكننا أن نتوقع مساراً تطورياً یمکن أن نشهد من خلاله هكذا رحلات بشكل متكرر أكثر أو ضمن فترات زمنية أقل مع مرور الوقت، كما يمكن أن نشهد أيضا قدرة متزايدة للجمهورية الإسلامية في أن يكون لها تأثير في تحويل مجرى السياسة الدولية لصالحها في أماكن لم تكن تقدر سابقا على الدخول إليها، لأنها كانت تخضع للهيمنة الغربية، وهذا ليس فقط بسبب التطور التكنولوجي والعلمي والعسكري ولكن أيضا بسبب شبكة العلاقات التي تكونها مع الدول المناهضة للاستكبار الأمريكي والاستكبار الغربي بشكل عام، مثل الصين وفنزويلا وروسيا والدول الأخرى في مجموعة "البريكس". بالتأكيد إذا ما استمر المسار إن شاء الله بهذا الشكل، يمكن أن نشهد رحلات متكررة ومشاهد أخرى تقوم بها بحرية الجمهورية الإسلامية في إيران في أماكن أخرى وتقوم بزيارتها في السنوات المقبلة إن شاء الله.
*بعض القوى الأجنبيّة أشادت بـ«المهمّة حول العالم» للمجموعة البحريّة 86 التابعة للقوات البحريّة في الجيش الإيراني. على سبيل المثال يمكن الإشارة إلى تصريحات «نيكلاي يومنوف»، القائد للقوات البحريّة في الجيش الروسي الذي قال أنّ لا تقدر على إنجاز مهمّة الإبحار حول العالم سوى الدول العظمى. كما تحدّثت وسائل الإعلام عن التقدّم العسكري المذهل لإيران. ما هو تقييمكم في هذا الصّدد؟
انطلاقاً من أن الولايات المتحدة قامت بفرض هيمنتها على الكوكب تدريجيا منذ بداية قرن العشرين حتى الحرب العالمية الثانية، حيث أكدت سيطرتها في النهاية، العامل الذي أكد هذه السيطرة كان فوزها في الحرب العالمية الثانية، ولكن هيمنتها وسيطرتها على جميع المنافذ التجارية ورثتها بواقع الحال عن الدول الاستعماريّة.
إذن الولايات المتحدة تقوم هيمنتها الحالية بشكل أساسي على الهيمنة على الطرق التجارية وحرية التنقل وعلى البحار بشكل عام عبر أساطيلها الممتدة. هنا يمكننا أن نرى أن الخطوات التي تقوم بها الجمهورية الإسلامية في إيران مع الحلفاء أو الأصدقاء كما المناورة التي حصلت بين روسيا والصين والجمهورية الإسلامية في أيار 2023 هي ليست في الوقت الحالي قادرة على كسر هذه الهيمنة، ولكن في واقع الحال نظراً إلى أنّ الولايات المتحدة لطالما راكمت من الثروات وهي تملك أساطيل كبيرة جدّاً، إلّا أنّ الحال في المياه والمحيطات العالية ومياه الخليج [الفارسي] مختلف وهناك قصّة مختلفة تماماً في مياه الخليج [الفارسي] إذ أن الجمهورية الإسلامية تملك تفوقاً كاملاً في مياه الخليج [الفارسي]، ولکن عندما تخرج إلى المحيطات فإن الولايات المتحدة مازالت تملك تفوقا بسبب نوع قطعها البحريّة، ولكن هذا التعاون ما بين الدول المناهضة يمكن أن نقول إنه يؤسس لانحدار قوة الولايات المتحدة وسيؤدي بالتالي إلى هذا الانحدار على الصعيد البحري وعلى صعيد القدرة على بسط السيطرة. سيؤدي إنحدار قدرة الولايات المتحدة أيضا إلى إنحدارها كمهيمن عالمي نظرا لأنها لن تكون المتحكم الوحيد بطرق التجارة ولن تكون المتحكم الوحيد أيضا لما سيمر، وبذلك قد توجهنا اليوم إلى عالم متعدد الأقطاب، وهكذا تطور يمهد للتغير على الصعيد العالمي وعلى صعيد من يهيمن على الكوكب لأن طرق التجارة والسيطرة والتحكم بممرات التجارة والقدرة على الدفاع عن مصالح الأمة بهذه النقاط الحيوية تؤسس لمن سيسيطر على العالم بواقع الحال.